مؤتمر ISSPF يدعو إلى ضمان اجتماعي شامل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

تنقلنا نهاية المؤتمر الإقليمي حول الضمان الاجتماعي الشامل الذي نظّمه منتدى سياسات الضمان الاجتماعي الشامل  والذي ترقّبه وتابعه كثيرون إلى لحظة محورية. على مدى يومين من المناقشات التفاعلية في 19 و20 سبتمبر/أيلول في عمّان، الأردن، أكّد المؤتمر الحاجة لثورة في صنع السياسات. إذ قدّم منصّة ديناميكية جمعت خبراء في مجال الضمان الاجتماعي، وأكاديميون/ات، ومنظمات المجتمع المدني، وناشطون/ات، وباحثون/ات بغية التعاون من أجل وضع جدول أعمال موحّد نحو تحقيق الضمان الاجتماعي الشامل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

خلال المؤتمر، تناولت ثلاث حلقات نقاش تفاعلية المجالات الرئيسة لإجراء إصلاحات في الضمان الاجتماعي في المنطقة. وركّزت حلقات النقاش في المقام الأول على نموذج الضمان الاجتماعي القائم على إغاثة الفقراء والسائد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فهو نموذج شائع مع أنّه يشوبه الكثير من الشوائب كونه يتجاهل شريحة كبيرة من المجتمع، من المواطنين أو غير المواطنين، ويقيّد التغطية الأساسية، ممّا يؤدي إلى انحلال العقد الاجتماعي. إدراكًا للحاجة الملحة لمكافحة هذه التحديات، ناقشت منظمات المجتمع المدني أساليب لتحويل النموذج والدعوة إلى اتباع نهج شامل قائم على الحقوق في الضمان الاجتماعي.

تولّت سحر مشماش، من المرصد التونسي للاقتصاد، إدارة حلقة النقاش الأولى التي تمحورت حول أساليب تعاون منظمات المجتمع المدني بشكل فعّال لمواجهة تأثير المؤسسات المالية الدولية. في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، دأبت المؤسسات المالية الدولية منذ فترة طويلة على الترويج لخطط الإغاثة السيئة التصميم والتي تنطوي على مشاكل في التنفيذ. في الواقع، تعاني البرامج التي تستهدف الفقر، كما تقدّمها المؤسسات المالية الدولية غالبًا، من التغطية المحدودة والشروط الضارة، مما يؤدي إلى استبعاد الكثير من الأسر الفقيرة المستهدفة بشكل روتيني. استجابة لهذه التحديات، أكّد المحاورون البارزون على ضرورة العمل التعاوني لمنظمات المجتمع المدني في جميع أنحاء المنطقة. شدّدت ليا يمين، من مركز العلوم الاجتماعية للأبحاث التطبيقية (CESSRA)، أيضًا على المساحات التقييدية التي تواجهها منظمات المجتمع المدني على الأرض.

اقترحت حلقة النقاش أن ينطوي التحوّل النموذجي على زيادة الاستثمار في مشاريع البحث والمناصرة في جميع أنحاء المنطقة لمقاومة سياسات المؤسسات المالية الدولية وتعزيز البدائل. وحصدت ضرورة مثل هذا التحول الدعم من خلال تمرين جماعي تفاعلي تناول التدابير البديلة التي يمكن لمنظمات المجتمع المدني اتخاذها في مواضيع سياساتية مركزية (مثل الصحة، والإعانات، وشبكات الأمان، والمعاشات التقاعدية، وسوق العمل). وسلطت العروض والمناقشات اللاحقة الضوء على نُهج ومجالات تعاون محددة لتعزيز المقاومة ضدّ المؤسسات المالية الدولية. كذلك، أظهر كل عرض تقديمي حاجةً قوية إلى التشبيك الذكي، بحيث لا يقتصر على التواصل بين أصحاب المصلحة وحشد جهودهم فحسب، بل يشمل أيضًا إنشاء شبكات تعاونية للتنسيق المفتوح عبر البلدان في ما يتعلق بالمعرفة والأبحاث والمناصرة. كما أقرّ المشاركون بفعالية المنتديات مثل منتدى سياسات الضمان الاجتماعي الشامل  ولمسوا إمكانية الاستعانة بالمنصات عبر الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي لتنسيق المناصرة وتبسيط جهود منظمات المجتمع المدني.

كشفت حلقة النقاش والتمرين الجماعي عن الرغبة القوية والضرورية في تمكين المقاومة ضد المؤسسات المالية الدولية في المنطقة. وأكّد علي أموزاي، من رابطة فرض الضرائب على المعاملات المالية لمساعدة المواطنين في المغرب، على أهمية هذه المحادثات نظرًا للاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي انعقدت في مراكش في منتصف أكتوبر/تشرين الأول.

أما في حلقة النقاش الثانية، فتوّلت الدكتورة ماريا ديل مار لوغرونو، ممثلة منظّمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية، إدارة النقاش حيث أكّد المشاركون على الحاجة الملحة للابتعاد عن البرامج الفاشلة التي تستهدف الفقر في المنطقة. ودعوا إلى اعتماد نهج قائم على الحقوق في الضمان الاجتماعي لتوطيد العقد الاجتماعي في جميع أنحاء المنطقة. شدّد المشاركون من جديد على ضرورة إحداث تحوّل نموذجي في تصميم نُظم الضمان الاجتماعي الوطنية، والانتقال نحو إنشاء إطار قائم على الحقوق. أشارت شذى أبو سرور، من المنتدى العربي لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، إلى أن النُظم الحالية تضفي الشرعية على الممارسات الإقصائية، ممّا يدفع منظمات المجتمع المدني إلى التساؤل عن الجهة التي تتحدث باسم المهمشين.

ساهم ما قالته شذى في إطلاق مناقشات بين منظمات المجتمع المدني حول سبل بناء نظام أكثر شمولًا للضمان الاجتماعي، كونه حجر الأساس في الجهود الرامية لتوطيد اللُحمة المجتمعية والدفع بالنمو الوطني المعزّز. اعترفت حلقة النقاش بدور الاقتصاد السياسي وشدّدت على أهمية فهم السياق الفريد لكل بلد عند الدعوة إلى الضمان الاجتماعي الشامل. من هنا، دار حوار بنّاء حول حقوق اللاجئين واحتياجاتهم ودور منظمات المجتمع المدني في مناصرة إشراكهم في العقد الاجتماعي بطريقة أكثر إنصافًا. أظهر الحوار أيضًا أنّ النقاش حول العقد الاجتماعي يتّسم بطبيعة فنيّة وسياسية جدًا، إلّا أنه ضروري لإنشاء نظام صلب للضمان الاجتماعي.

في حلقة النقاش الأخيرة، قام شهبر إسحق من منظمة مسارات التنمية (Development Pathways) بإدارة مناقشة بين الدكتورة مي جاد الله، من منتدى البحوث الاقتصادية، والدكتور طارق أبو الحاج، من منظمة مسارات التنمية (Development Pathways). تطرّق المشاركون إلى المساعي الممكنة لمنظمات المجتمع المدني من أجل التغلّب على مشاكل الوصول إلى البيانات الحالية في المنطقة وناقشوا دور البيانات في إرساء نُظم الضمان الاجتماعي الشامل. أثارت الجلسة نقاشًا حول حاجة منظمات المجتمع المدني إلى اعتماد أساليب مبتكرة في متابعة البيانات، واقتراح طرق بديلة مثل إنشاء بيانات تركيبية ونشر تقارير سنوية للضغط على الوزارات أو المنظمات غير المتعاونة من أجل تعزيز الوصول المنصف إلى البيانات في جميع أنحاء المنطقة.

في حين تركّز النقاش على الوصول إلى البيانات، تناول أيضًا المنهجيات المستخدمة في تصميم برامج الضمان الاجتماعي وتنفيذها. وقد عكس الحوار المواقف التي برزت في حلقة النقاش الثانية بشأن أوجه قصور الاختبار غير المباشر داخل المنطقة. تمحورت المحادثات الرئيسية حول إمكانية تعزيز العلاقات مع المنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية والوزارات التي يمكنها الوصول إلى بيانات العالية الجودة. واتفقت منظمات المجتمع المدني الحاضرة على اغتنام هذه الفرصة والالتزام بالعمل التعاوني لتعزيز الوصول الأكثر إنصافًا إلى البيانات الموثوقة والمتحقق منها. اعتبرت حلقة النقاش الأخيرة ختامًا أنه ينبغي استثمار البيانات بشكل أكبر، كونها أداة قوية ولكنها غير مستغلة في منظمات المجتمع المدني.

يمثّل المؤتمر بداية حوار حيوي بين منظمات المجتمع المدني في المنطقة التي تدعم الضمان الاجتماعي الشامل. في المستقبل، يتوقّع منتدى سياسات الضمان الاجتماعي الشامل  تعزيز التشبيك الذكي بين أصحاب المصلحة، والدعوة لاتباع نهج قائم على حقوق الإنسان في الضمان الاجتماعي، والاعتراف بدور البيانات كأداة حيوية في معالجة التحديات المستمرة. من أجل الحفاظ على هذا الحوار، يعمد المنتدى إلى صياغة تقرير مفصّل حول مناقشات المؤتمر لوضع سردية وأجندة بديلة. يدأب المنتدى أيضًا على توطيد الشبكة والمساحة لتوضيح مثل هذه السرديات وتحقيق الأجندات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من خلال الأبحاث القائمة على الأدلة والفعاليات الشاملة، بما يضمن استمرار سعينا الجماعي لتحقيق الضمان الاجتماعي الشامل بزخم لا يتزعزع.